الحریة الحمراء .. أوبريت من العدم !
المفارقة الأكبر التي تلمَّسَها من تلهَّف لمتابعة “أوبريت الحرية الحمراء” في “دار الأوبرا السورية” في دمشق، الذي شارك فيه كل من ليندا بيطار وشادي جميل ومعين شريف، تمثَّلت بأنه لم يكن هناك أوبريت من أساسه.
ذلك أن كل ما قُدِّم عبارة عن باقة من الأغنيات التي تتغنى بالوطن والجيش والشهداء، من دون أي مقاربة حقيقية لفن الأوبريت بما يتضمنه من مقاطع غنائية مُلَحَّنَة يتناوب على تأديتها مجموعة مطربين، إلى جانب حوارات كلامية أو أداءات صوتية من دون موسيقى تدور في فلك الموضوع الرئيسي للأوبريت.
ولعل ذلك كان بمثابة إجابة على تساؤلاتنا قبل بداية الحفل، في ظل عدم وجود بروشور، عن اسم كاتب الأوبريت وملحنه ومن هو المخرج المسرحي له، لنكتشف بعد الإعلان المتكرر عبر صوت جهوري بين الفقرات الغنائية عن “الحرية الحمراء” بأن الأوبريت المزعوم هو عبارة عن أغنية لا تتجاوز السبع دقائق كتبها الشاعر نزار فرنسيس ولم نعرف إن كان طاهر مامللي هو من لحنها، فبحسب تعبير مُقدِّمة الحفل أنسام السيد أنه قام بـ”الإشراف الموسيقي”، والمستغرب أكثر والمفاجئ أن “السيد” عرَّفت عن الدكتور تامر العربيد كمخرج للأوبريت، في حين لم يكن هناك ما يخرجه أساساً.
بغض النظر عن ذلك، وحتى لا نغبن أغنية الحرية الحمراء حقها فإن كلماتها جميلة، يقول فيها فرنسيس “تمشي القوافل للفدا بالدم ما تبخل.. قلب الشرق شام الغضب.. يوم الغضب بركان.. والنصر ع الشمس انكتب.. وترابها منصان.. دم جروح الشهدا الغالي.. لون الحرية حمرا.. وراية سورية بالعالي.. وعيون الراية خضرا”، لكن في ظل الأداء المرتبك للمغنين الثلاثة على اللحن ذي الإيقاع السريع، فإن الكلام اندغم مع بعضه من دون أن يكون مفهوماً، ولولا أن المُقدِّمة ألقت الكلمات بتروٍ قبل الغناء لما وصلنا منها شيء.
والمفارقة الأخرى كانت في غياب الانسجام ضمن برنامج الأمسية، ربما أحد أسبابه كان الاعتذار الاضطراري للفنانة اللبنانية كارلا رميا عن المشاركة لأسباب صحية. إذ يشعر من تابع الحفل بأن كل شيء تم تحضيره على عجل. حتى أن أصوات المطربين الثلاثة كانت بعيدة عن إشراقاتها المعتادة، وعن تبنّيها للمعاني الجميلة لأشعار الأغاني التي أدّوها، على عكس الكورال واندغام أصواتهم مع مغزى الكلام الذي يغنونه وتثويره إلى مستويات جمالية مهمة.
ليندا بيطار قدمت أغنيتين فيروزيتين هما “احكيلي عن بلدي” كلمات وألحان الأخوين رحباني و”شام يا ذا السيف” من أشعار سعيد عقل، في حين بدأ شادي جميل فقرته بموال /لما الوفا بيكون من شيم الأبطال.. اعرفي يا شام أرضك بعمرها ما بتنطال.. لا تزعلي لو بَطَلْ غيابو عنك طال.. أمّ البطل كل عمرها بتجيب أبطال/ ليغني بعدها “يا شام العزّك قهّار” وضمنها مقطع باللغة الأرمنية، تلاها بأغنية “اسمك يا شهبا” كلمات وألحان عمر البابا.
بينما أدى معين شريف أنشودة زرع التحرير للشاعر نزار فرنسيس وألحان سمير صفير ومن كلماتها “لازم تعرف يا محتل.. نحنا مين وأنت مين.. نحنا هيهات من الذل وأنت للذل عناوين” و”بكتب اسمك يا بلادي” كلمات وألحان إيلي الشويري، افتتحها بموّال لسوريا بطلب من قائد الفرقة الموسيقية عدنان فتح الله، تلاها ديو بين بيطار وشريف لأغنية “وطني يا جبل الغيم الأزرق” كلمات وألحان الأخوين رحباني.
أما الكورال فقدّم صف العسكر لإيلي شويري، “أطلق نيرانك لا ترحم” من ألحان زياد بطرس، و”راياتك بالعالي يا سوريا” كلمات أحمد قنوع وألحان شويري.
وهكذا كانت الأمسية محمولة على أكتاف “الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية”، التي كانت بعازفيها وكورالها عنصر الإشراق الأميز، مع ديكور الحفل الذي جسد نصب الجندي المجهول في عمق خشبة الأوبرا وفي قمته شعار الجيش السوري “وطن شرف إخلاص”، وعلى جانبيه صور لمجموعة من جنوده، بالإضافة إلى صورة اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي تزامنت ذكرى استشهاده مع إحياء أمسية “الحرية الحمراء”.